تبدو أحداث الشرق الأوسط خلال العام ونصف الأخير بطريقتين: الأولى تعتبر ما جرى منذ 7 أكتوبر 2023 قطيعة عن الماضي، حين ردّت إسرائيل على هجوم حماس بانتقام خارج عن أي إطار قانوني أو جغرافي، بدءًا من المجازر في غزة، مرورًا باجتياح جنوب لبنان، والسيطرة على مناطق في سوريا، وصولًا إلى الهجمات الأخيرة على إيران. أما الثانية، فترى أن ما يحدث امتداد تاريخي لانهيار توازن هش، ساهمت أطراف إقليمية ودولية في تثبيته، حتى أطاحت به حكومة إسرائيلية قررت فرض أجندتها الخاصة دون شرح أو حساب للعواقب.
هذا التوازن الدقيق اعتمد على تدخل قوى الخليج كوسطاء، لا بدافع التضامن بل بحثًا عن الاستقرار. بعض تلك الدول كسرت محرمات تاريخية وبدأت تطبيعًا مع إسرائيل من خلال اتفاقيات أبراهام أو خطوات تمهيدية مشابهة. لكنها اليوم تجد نفسها محاصرة بين خصمين: إسرائيل وإيران، ما يهدد علاقتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة.
كما اعتمد الوضع القائم على إسكات القضية الفلسطينية إلى الحد الذي يُرضي الجميع، باستثناء الفلسطينيين. وحين بدأت إسرائيل هجومها على غزة، انكشفت نواياها الحقيقية، ما أحيا شبح نكبة جديدة وأدخل إيران، ومعها حزب الله والحوثيين، على خط الصراع كمدافعين عن الفلسطينيين. ومع اتساع هامش التصعيد الإسرائيلي، سقطت كل القيود.
تبريرات أفعال إسرائيل لم تعد تقنع أحدًا. الدعم غير المشروط الذي تلقته من حلفائها، بحجة حماية اليهود أو الحفاظ على الشراكة في منطقة استراتيجية، كان مشروطًا بردّ متوازن على التهديدات. لكن إسرائيل تجاوزت ذلك، وحولت تلك التهديدات إلى أدوات تبرير لحروبها، ما جعلها مصدرًا لانعدام الأمن في المنطقة بأكملها.
الثقة بين إسرائيل وحلفائها الغربيين بدأت تتآكل. الدعم الضخم السياسي والعسكري يفترض أن لا يُستخدم لخدمة أهداف داخلية. لكن بنيامين نتنياهو يوظف الحرب لتعزيز شعبيته، ويخاطر بأمن شعبه، بل يستغل هذا الخطر لتقديم نفسه كحامٍ وحيد.
العلاقات مع الحلفاء الغربيين كانت في مأزق بالفعل بسبب ضغط الرأي العام، الذي تأثر بصور الأطفال الجائعين، والمستشفيات المحترقة، وصفوف الجثث في غزة. والآن، بفتح جبهة جديدة ضد إيران، تحاول إسرائيل إعادة سرد الرواية القديمة: الضحية التي تواجه جارًا معتديًا، وتحتاج للدعم مرة أخرى.
القصص عن الجوع في غزة أو عن الفلسطينيين الذين قُتلوا أثناء انتظار المساعدات اختفت من العناوين. وتلاشى التركيز على توسّع المستوطنات غير الشرعية في الضفة. والضغوط الأوروبية التي بدأت على إسرائيل لتسهيل دخول المساعدات والتوصل لوقف إطلاق نار، تراجعت لصالح عبارات جوفاء تطالب بـ"ضبط النفس"، كما في الأيام الأولى للحرب.
أما بخصوص ضربات إيران، فتكرر إسرائيل سيناريو غزو العراق: تدّعي امتلاك معلومات استخباراتية تبرر الهجوم الوقائي، دون تقديم أدلة. والسؤال: من يملك حق تقرير متى يكون "الهجوم الوقائي" مبررًا؟ ومن يملك حق الرد على عدوان أحادي غير قانوني؟ الواقع يقول إن السياسة العالمية تعمل وفق استثناءات، لا معايير موحدة للسيادة.
صحيح أن إيران انتهكت بعض التزاماتها النووية، لكن إسرائيل لم توقّع أصلًا على معاهدة الحد من الانتشار النووي. الفارق أن إسرائيل والولايات المتحدة اعتبرتا "الطرف الطيب"، وإيران "محور الشر". غير أن مصداقية هذا التصنيف بدأت تتآكل، ولم تعد الحملات الإسرائيلية تحظى بالقبول ذاته.
الواقع أن إسرائيل تخوض حربًا ضد الزمن. إيران ما تزال تملك إرادة سياسية وقدرات عسكرية تُقلقها. وكلما ضاق هامش المناورة، زادت رغبتها في تقويض قدرات إيران. لكن ما الهدف النهائي؟ هل تنوي إسرائيل الاكتفاء بعملية محدودة؟ أم أن التصعيد سيستمر دون أفق، كما في غزة؟
العمليتان، العسكرية والدعائية، تنطلقان من تصور أن الشرق الأوسط ساحة لصراعات إسرائيل الداخلية، وساحة لتجريب أدوات جديدة لـ"تحقيق الأمن" حسب معاييرها الخاصة. لكن المنطقة ليست مجرد حديقة خلفية لإسرائيل. فيها شعوب وسياسات وتواريخ وحقوق لا يمكن تجاهلها إلى ما لا نهاية.
https://www.theguardian.com/commentisfree/2025/jun/16/gaza-israel-destroyed-reputation-attacking-iran-benjamin-netanyahu